نشأة توكـر
في 5 جمادى الثانية 1288هـ كتب محافظ سواحل البحر الأحمر أن مأمور (توكر) (عبدالقادر علي) أخطره أن المياه عمت أراضي تلك الجهة فقامت بها الزراعة وأن زراعة القطن المزروع من العام الماضي بدأت في الاخضرار إنذارا بالنمو، وأكد في كتابه أن زراعة القطن بجهات السودان تمكث عدة سنوات وتنتج محصولا بلا تعب، وهذا هو الواقع في زراعات (توكر) المزروعة في سنوات ماضية إذ يتحصل منها محصول عدة سنوات بلا مشقة، وأن موسم الزراعة يمتد من شهر (أبيب) حتى (أمشير) وأن الصيف بحرارته لا يؤذي الزراعة لاستمرار تساقط الأمطار، بينما الشتاء لا يضرها أيضا حيث لا تشتد فيه البرودة لقربها من الاستواء وأطلب النظر في الأمر0"
وكان ممتاز باشا عمل على تطوير المنتجات في ولاية ساحل البحر الأحمر، واهتم بالزراعة فاستجلب مزارعين من مصر لزراعة القطن في دلتا توكر وكان الأهالي من قبل يزرعون الذرة الرفيعة ، ثم أدخل رجلا من الأرتيقه يدعى "أولاك" زراعة الدخن إلى توكر ، حيث جلب "مد" من الدخن من اليمن
بعد أن اشتراه ببقرة حلوب( ) ، وأدخل زراعته في توكر لتصبح من بعد المحصول الرئيسي لتوكر.غير أن مجيء ممتاز باشا جعل من زراعة القطن الزراعة الأساسية في دلتا توكر وقد أنشأ ممتاز باشا محلجا لحلج القطن، وحقق صادر القطن نجاحا كبير خلال الحرب الأمريكية ووصلت بشائره إلى السوق العالمية عن طريق سواكن( )
وكان من أوائل مزارعي توكر الأكريماب" آل دوير" والعلي ندواب "آل نوليت" جد (العمده كبيري محمود نولي) و آل خميسي وهم من أشراف مصر إلا انهم اختلفوا مع الأرتيقه والألمنوياب " آل هسره" والهنسيلاب " آل نابوسي" والقدر "آل رشيد" والد العمده بادانين وجد العمده "وجه" والبرهي "آل عياق" والشئياياب عموماً ورهط من تجار السواكنية والكميلاب ثم في وقت لاحق الكرباب والأشراف ولحق بهم البني عامر والهدندوه والحسناب ثم جماعة من الجعليين وغيرهم وفي وقت لاحق جاء الهوسا وجماعات من النوراب والشرعاب ومن أرتيقه الساحل.
مشروع دلتا توكر الزراعي :
يقع المشروع على بعد 90 كيلومتر جنوب ميناء سواكن وعلى بعد 145 كيلو جنوب ميناء بورتسودان . وتتوسط المشروع مدينة توكر ، والمشروع يمتد من ساحل البحر الأحمر لمسافة 40 كيلو جنوبا .
والمشروع الذي أنشأ أصلا لزراعة القطن كمحصول هام للصادر والذرة الرفيعة كغذاء لسكان المنطقة الآن يعتبر أحد أهم المناطق بالشرق لزراعة القطن الذرة والخضروات بكافة أنواعها إضافة لزراعة عباد الشمس وبعض التوابل والنباتات الطبية والعطرية.( )
تقع دلتا توكر داخل منطقة مناخ جاف لا يتناسب معدل الأمطار فيها مع أي نشاط زراعي حقلي ، ولذا فإن نشاط السكان الزراعي والرعوي ينحصر بصفة أساسبة داخل الدلتا التي كونها نهر بركة الموسمي والذي يفيض خلال موسم الخريف من منابعه داخل أريتريا لمدى شهرين، ويبلغ إيراد المياه حوالي مليار متر مكعب سنويا. وتعتبر الأراضي الرسوبية المتجددة سنويا بواسطة فيضان نهربركه أحد أخصب أنواع الأراضي بأفريقيا والشرق الأوسط وهي مع مثيلتها في مشروع دلتا القاش أخصب أراضي السودان والسبب يعود للنسبة العالية من الطمي التي يحملها نهري بركة والقاش سنويا من الجبال البركانية في مرتفعات أرتريا حيث تبلغ كثافة الطمي حوالي عشرة كيلوجرامات في المتر المكعب وهو السبب وراء التجدد السنوي والخصوبة العالية للتربة .. وتسمح طبيعة التربة بتسرب المياه إلى الأعماق لمدى عشرة أمتار تقريبا، وبالتالي تحتفظ التربة برطوبة تكفي لإنضاج المحاصيل، بما فيها القطن ذو الموسم الطويل دون الحاجة إلى ري إضافي.
تعتبر دلتا توكر أول منطقة بالسودان زرع فيها القطن للإنتاج التجاري وأن ممتاز باشا استجلب من مصر بذرة القطن (بذرة قطن جوميل) ومزارعين .
أزدهرت زراعة القطن في الدلتا في الفترة 1867م وإلى قيام الثورة المهدية، حيث تعثر الأنتاج مع هجرة السكان من المنطقة على أثر هجمات قوات الأمير عثمان دقنه
بعد نهاية الحملة البريطانية بقيادة كتشنر في عام 1900م عاودت زراعة القطن الانتشار مرة أخري وبلغت في ذلك العام 2000فدان ثم بدأت المساحة تتسع عاما بعد آخر.
في فترة معاودة الأنتشار هذه كان الصنفان الأساسيان هما صنفي (عفيفي وأصيلي ) وهي أصناف فائقة الطول تنتمى إلى نوع البار بدنس. وكانت هناك بعض التجارب قد أجريت على القطن الأمريكي من نوع الهيرسوتم وأعطت ننتائج باهرة بالمستوي الذي أدى إلى اللأعتبار الجاد ، في حين من الاحيان ، لإمكانية استبدال كل القطن في دلتا توكر بأصناف أمريكية، وقد حدث ذلك في بالفعل في عام 1960م واستمر أكثر من خمس عشرة سنة ثم توقف.
استمرت زراعة صنفي عفيفي في توكر من سنة 1900م حتى 1920م ومن بداية موسم 1921م وحتى عام 1934م ساد صنف الساكل الذي بدأ استيراده من مصر دوريا منذ العام 1913م لمشروع الجزيرة . في موسم 34/1935م تبدل الساكل بنسله – إكس130 أول الأنسال المتطورة من أقطان اللامبرت والمقاوم لفيروس تجعد الأوراق. بعدها توالت الأصناف المشتقة من هذا الأصل وهب أكس1730مطلع الأربعينات ، ثم بار إكس إل 1 في الخمسينات ، وفي موسم 60/1961م أدخل الأكالا واستمرت زراعته حتى موسم77/1978م توقف بعدها بسبب تبكيره الذي يدخله مرحلة تكوين الوز فى فترة انتشار الدودة وحقيقة ان مرحلة ازهاره نفسها تاتى داخل فترة اللامطار الشتويه وتلبد السما بالغيوم التى تجهض عمليات التلقيح وتودىى الى تصميم اللوزثم اخيرا تم استبدال الاكالا بااللقطان فائقة الطول وأدخل اصنف ركات في نهاية السبعينت (1979م) والذي استمر حتى اليوم.
المساحة والحيازات
مساحة القطن السنويه فى طوكر متبيايتة من عام الى اخر وتحكم فيا عدة عوامل هى 1 حجم الفيضان وهذه بدورها تعتمد بصورة اساسبة على الاستعدادات التى بذلت للتحكم فى مسار المياه وتوجيهها نحو الأراضي الجيدة وحبسها عن التسرب للبحر 3مساحات الشوائر وهى مستطيلات من الذرة بأضلاع 25.×30 متر تزرع حول القطن لصد رياح الهبباى وعادة تحتل 25% من المساحة ،إلا أن المزارعون يتوسعون فيها اكثر من ذلك (تصل 50% فى بعض الأحيان) على حساب القطن لضمان محصول اكبر من الذرة.
المساحة الخاصة بكل مزارع ،وتسمى"الضمن" تتفاوت من شخص آخر،والمساحة القصوى للضمن لا تتجاوز 500فدان ،وهذه لا تتوفر لكثير وصاحب الضمن فى العادة يشاركه فيه آخرون يطلق عليهم اسم "تحت الضمن"،معترف بهم ومسجلون فى دفاتر المؤسسة فى كشف مرفق مع أرنيك صاحب الضمن.العدد والأسماء تتعدل من عام إلى آخر حسب تحويل الورثة وفض المنازعات التي تنظرها لجنة مختصة كل عام إلاأنالنظام الحازى بشكل عام مقنن وثابت.صاحب الحازة يستخدم أرضه فى حالة غمرها،وليس هناك مجال لاستخدام أرض غيره إذا لم تغمر أرضة بغير الاتفاق مع صاحب الأرض المغمور .وقد أدى تحول الغمر من الدلتا الغربية وأجراء من الدلتا الوسطى إلى حرمان بعض المسجلين من الزراعة لعقود كاملة.
توجد انواع أخرى من الحيازات تسمى "أرض القبيلة" وتعني قبيلة الأرتيقه وهي مسجلة باسمها،وإذا غمرها الفيضان توزع على أفراد من تلك القبيلة بشرط أن لاتكون لديهم حيازات .كما توجد أيضا أرض "البياضة" وهى تابعة للمؤسسة وتوزع بتصاريح لموسم واحد للذين لايملكون أى من الحيازات السابقة إذا تم ريها.
هناك بالطبع اتفاقات خارج الأطر الرسمية تتم بين أصحاب تلك الحيازات وأشخاص آخرين مثل الإيجار والزاعة بالنصف وغيرها.
المساحة الكلية للدلتا تقدر بحوالي 406000(أربعمائة وستة آلاف) فدان ، مقسمة إلى 80 حوض والأحواض مقسمة إلى مربعات مساحة المربع الواحد 160 فدان. ونصف هذه المساحة(200000) غير صالح للزراعة بسبب انتشار الحشائش والكثبان الرملية واشجار المسكيت والنصف الآخر تعتمد المساحة المزروعة منه كل موسم على حجم الفيضان. والدلتا مقسمة إلى ثلاث مناطق (شرقية ووسطى وغربية).
• الدلتا الشرقية : تبلغ مساحتها 125ألف فدان مقسمة إلى 785مربع ، والمساحة القابلة للزراعة فيها لا تتعدى ال 30 ألف فدان وباقي المساحة عبارة عن غابات مسكيت وقيزان رملية وحجارة وأرض مالحة لا تصلح للزراعة .
• الدلتا الوسطى: فهي ذات الأراضي الأجود، والأكثر قابلية للري حتى في حالات الفيضان المتوسط ، ونتيجة للاستمرارية الري فيها أدى إلى ارتفاع منسوب الأرض لتراكم الطمي بها سنوبا وبالتالي أصبحت تعلو على مستوى أرض الدلتا الغربية .. وتبلغ مساحتها 167ألف فدان مقسمة إلى 1036مربع ، والمساحة القابلة للزراعة حاليا تقدر بحوالي 87 ألف فدان وباقي المساحة عبارة عن غابات مسكيت ويمكن الاستفادة منها إذا تمت نظافتها .
• الدلتا الغربية : تبلغ مساحتها حوالي 128ألف فدان مقسمة إلى 800مربع ، والمساحة القابلة للزراعة حاليا أقل من 100 ألف فدان وهي ممتلئة بأشجار(العدليب) والكثبان الرملية الثابته التي تحول دون وصول مياه الفيضان, ونتيجة لذلك أهملت الدلتا الغربية وتم هجرها، إلا أنها قد تكون بديل للدلتا الوسطى إذا بذلت جهود في نظافتها ةتهيئتها.
النزاع على توكر :
كان هناك خلاف بخصوص ضم ميناءي (توكر) و( عقيق) إلى محافظة مصوع إلا أنه في 21 جمادى الأولى 1288هـ صدر أمر بضم (توكر) لمحافظة مصوع وجاء في الأمر "أنه من المسلم به أن جهة (توكر) من النقط المهمة التي تستدعي دقة الالتفات والملاحظة بالنسبة إلي موقعها سيما أن لها ميناء خاص "ترنكتات" على شاطئ البحر الأحمر، الأمر الذي يدعو إلى العناية بها والأخذ بأسباب تقدمها وعمرانها من جميع النواحي الزراعية والتجارية0
ولذلك رئي إحالة الجهة المذكورة إلى إدارة محافظة مصوع للعمل على ما فيه عمرانها المنشود، وعلى هذا رئي ضم (ألف قرش) علاوة مرتب شهرية للمحافظ وطلب منه أن ينظر في أيّ الميناءين (توكر وعقيق) أحسن وأوفق الأهمية وسهولة دخول وخروج المراكب0"( )
في 15 رجب 1288هـ نقل ممتاز باشا مديرا عاما لمديريات " الخرطوم وسنار وفازغلي والنيل الأبيض) وعين "شكيب بك " محافظا على سواكن و(منزنجر بك) محافظا على مصوع 0
وما أن استلم (منزنجر بك ) محافظة مصوع كتب في 4 محرم 1289هـ مطالبا بضم جهة (عقيق) إلى محافظة مصوع0
أحيلت المسألة إلى مجلس خصص لمناقشة الأمر، وبعد تداول الأمر من كل الوجوه رأى المجلس " أنه لكي تنتظم الإدارة بالمحافظتين سواكن ومصوع ولا تتشبث كل محافظة بتبعية هذه أو تلك من الجهات لها يصبح من الأصوب انضمام إدارة محافظة سواكن إلى إدارة محافظة مصوع وجعل كل الإدارتين إدارة واحدة لما في هذا من زيادة الانتظام والتقدم في العمران والاستعداد 0"
وصدر الأمر إلى (منزنجر بك) بتعيينه محافظا لمصوع وسواكن في 24 محرم 1289هـ ثم ألحقت بهما إدارة مديرية التاكة في 28 ذي الحجة 1289هـ وهكذا أصبح (منزنجر بك) مدير عموم شرقي السودان ومحافظ سواحل البحر الأحمر وأنعم عليه برتبة (متمايز) براتب (8000) قرش شهريا0
ويبدو أن شخصية (منزنجر بك) السويسري الأصل كان لها تأثيرها القوي إذ استطاع أن يرتب الأمور في صالحه 0 فكما رأينا فقد دمجت الإدارة المصرية سواكن ومصوع تحت إدارته عندما طالب بضم جهة عقيق لمحافظة مصوع وذلك لعدم إمكانية فصل جهات عقيق وتوكر عن محافظة سواكن0 وبعد أن أصبح (منزنجر بك) مدير عموم شرقي السودان ومحافظ سواحل البحر الأحمر رجعت الأمور إلى نصابها بعد فصل المحافظتين كل بالجهات التي تتبعها وذلك بتعيين (علاء الدين بك) محافظا لسواكن و(أراكيل بك ) محافظا لمصوع .
ثم فصلت (توكر) عن مصوع وضمت لمحافظة سواكن0 ولأهمية (توكر) طلب محافظ سواحل البحر الأحمر من الحكومة المصرية أن تعين مأموراً ذا همة ونشاط كمأمور لمدينة توكر ورشح لهذا المنصب (خورشيد نفعي)0
وفي6 ذي الحجة 1290هـ وصلت موافقة الحكومة المصرية على تعيين (خورشيد نفعي) مأمورا لتوكر وأنعم عليه برتبة (صاغقول أغاسي ) للاهتمام بإدارتها وإنجاز أشغالها وتحصيل الأموال بها0
في 21 شوال 1291هـ تمت ترقية (علاء الدين بك ) إلى وكيل لمحافظة عموم السواحل بناء على توصية (منزنجر بك ) مدير عموم شرقي السودان ومحافظ سواحل البحر الأحمر0 وعين بدلا منه (مصطفي بك الطوسهلي) محافظا على سواكن وصدر القرار في 16رجب 1292هـ وأرسل إلى (مصطفي بك الطوسهلي) خطابا بهذا المعنى وجاء في الخطاب " أنه لأهمية مركز وموقع محافظة سواكن التي بها مرسى لاستقبال المراكب والوابورات المارة في تلك الجهات فقد رئي لما علم عنه من كفاءة وكونه من ضابط البحرية العالمين بأصولها وقوانينها تعيينه محافظا للسواكن وما يتبعها من (توكر وسنكات وعقيق) وكتب له أن هذه الجهات وضح أن بها أراضي زراعية هامة صالحة لزراعة القطن وأثبتت التجربة نجاح تلك الزراعة هناك ، فيلزم العناية بالعمل على اتساع هذه الرقعة وتشويق وترغيب الأهالي وحثهم على القيام بتلك الزراعة بهمة " ( )
منذ القرن السادس عشر وأثر اضطرابات السواحل بفعل البرتغاليين والأسبان والمصريين والأتراك سكنت عشائر من الأرتيقه منطقة توكر والمأدام وعملوا بالرعي والزراعة وتمددوا إلى أعلى خور بركه0 وتمددت تلك العشائر لتصبح بيوتات وقبائل وهي قبائل وبيوتات (ألندواب "ابوعثماناب" " قدر" ألمنوياب ، شئياياب، هنسيلاب، وكرباب وغيرهم)0 فلذا عندما بدأ مشروع توكر الزراعي صارت أغلب الأراضي الزراعية والرعوية ملكاً لهم وكانت إدارة المشروع في سواكن ثم تحولت إلى توكر0 ثم لحق بهم الحسناب والأشراف والقبائل الأخرى وكان من قبل يوجد بها (حدارب ) بني عامر0
وفي 1296هـ (1879م) عُيّن علي رضا باشا محافظا عاما لسواحل البحر الأحمر ، فقام برحلة تفقدية وكتب تقارير عن رحلته وقد جاء في هذا التقرير عن سواكن " تمتد إدارة محافظ سواكن لمسافة 188 ميلا ابتداء من مرسى دنقناب إلى (البلاطات) التي على مسافة ساعتين من عقيق وهي من بحري إلى نقطة (أبوقشقش) ومن قبلي إلى (عقيق) الكبيرة وتنقسم إلى ثلاث مأموريات: مأمورية سنكات ومأمورية توكر ومأمورية عقيق وذلك بخلاف الجهات التابعة لها في الإدارة مثل ملاحات (راوية) وملاحة (درج)ولكل مأمورية مأمور وكاتب وجماعة من العساكر وغير ذلك من المستخدمين0 وسكان هذا البندر 8000 نفس من المصريين و90 من الحدادين الأروم والهنود واليهود والفرنساويين والعربان (لاحظ أن التقرير لم يتطرق إلى تعداد المواطنين) 0
ويتكلم أهل البلد لغة البجة أما اللغة العربية فتستعمل في الأخذ والعطاء 0 والتركية عند المستخدمين الذين هم في الغالب من عساكر الباشبوزق وأولادهم0"( )
وجاء في التقرير وصف عن بندر سواكنٍ وبلكاته العسكرية ومأمورياته التابعة له، إلى أن يأتي التقرير إلى الإجراءات التي أتخذها:
وحيث أن البندر المذكور معد لأن يكون أكبر ميناء تجاري على ساحل البحر الأحمر بسبب ازدياد حركة التجارة منذ عهد قريب وأخذها في الاتساع عما كانت عليه قبلا فأرى أن هذا يستدعي إجراء التسهيلات بإيجاد بعض سكك وطرق بجزيرتي البندر وبعض المباني بالجمرك وأنه لذلك رأى اتخاذ الإجراءات التالية :
1) تعيين شخص من ضباط البحرية كرئيس للميناء لملاحظة الضبط والربط بالميناء وحركات السفن كما هو متبع بسائر الموانئ ووتطبيق قوانينها علييها0
2) ترتيب مهندس لملاحظة إقامة المباني بهذا البندر طبقا لأصول التنظيم لتصبح السكك والطرق اللازمة للمارة مهيأة ومستقيمة ولتسهيل حركة التجارة
3) وجوب توسيع دائرة الجمرك بإنشاء المخازن والمحلات الضرورية لوضع البضائع والأمتعة الصادرة والواردة ولحفظها وصيانتها من السرقات ومن الشمس حتى يتم شحنها بالوابورات إذ أن دائرة الجمرك الحالية صغيرة وليست بها المخازن اللازمة0
4) تغيير جميع المستخدمين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة والذين مكثوا مدة طويلة بين خمس عشر سنة أو خمسة وعشرين فاختلطوا بالأهالي وضاع نفوذهم0
5) ضرورة تعيين محافظ برتبة (اميرلاي)، ووكيل برتبة ( بكباشي) وترتيب معاونين ومأمورين لهذه الجهات ممن سبق لهم العمل بالأمور الإدارية0
6) تغيير (جهادية) هذه المحافظة لأن بعضهم متقدم في السن حيث أرسل لهذه الجهة منذ خمسة عشر سنة ، وتخصيص أورطة لهذه الجهات0
وبندر سواكن آمن ومحمي من جهة البحر بواسطة الاستحكامات الطبيعية القائمة أمامه وفي مدخل (السايلة) الموصل إلى الميناء ، ولا يخشى عليه إلا من جهة البر من مهاجمة عربان القبائل المسلحة ، لكنه رأى أن من الضروري إنشاء طابيتين على يمين وشمال قسم السيالة المذكورة ومتاريس في أماكن متفرقة بالبندر ( ) 0
زادت أهمية سواكن التجارية بعد أن أصبحت الميناء الرئيسي لتجارة السودان وإفريقيا الغربية التقليدية0 وزادت على السلع المتداولة فيه سلعتا القطن من دلتا توكر والبلح والتمر من منطقة النيل (شمال السودان) والذي أصبح بدوره سلعة رائجة بعد أن زاد الطلب عليه من كل من اليمن والحجاز0
تدفقت التجارة على سواكن من الأقاليم بانتظام من نقطتين رئيسيتين هما بربر وكسلا0 فقد كان موقع بربر على ثنية النيل التي تبدأ فيما وراء الخرطوم بقليل وتنتهي عند أبو حمد موقعا ملائما لبدء الطريق منها إلى سواكن، وخاصا أنها كانت ملتقى طرق القوافل التي تصلها عبر صحراء بيوضه من كردفان ، دارفور وإفريقيا الغربية ، والقوافل القادمة من الشمال ودنقله0 وكانت هناك أيضا البضائع القادمة من الأبيض وملكال والجنوب عن طريق السفن النهرية العاملة في فصل الفيضان من شهر أغسطس إلى نوفمبر والتي تحمل إنتاجا وفيرا من الصمغ والحيوانات وريش النعام والحبوب وسن الفيل0
وكان ممتاز باشا قد عمل على إعمار سواكن وتأمينها فشجع التجار المصريين بالعمل في سواكن واتفق مع (شركة إبراهيم بك فهمي) لتسيير بواخرها عبر سواكن 0 وأمر التجار أن يشتروا الأراضي من الأهالي الذين لا يستطيعون أعمار أراضيهم( )
وهكذا بدأت هجرة المصريين والحجازيين إلى سواكن وتوافد التجار من كل حدب وصوب من الهند واليونان وغيرها0 وطبقت شهرة المدينة الآفاق إلى أن كان اندلاع الثورة المهدية في عام 1882م0