دخول الجمل في السودان:
يعتقد أن الإبل نشأت في أواسط آسيا ومنها قدمت إلى المنطقة العربية ثم وصلت إلى منطقة الشام حيث انتقلت إلى إفريقيا.
وليس هناك تاريخ محدد لدخول الجمل إلى السودان إلا أنه من المؤكد أنه دخل في تاريخ سابق لسنة 25 ق م فقد وُجد تمثال برونزي للجمل في مقبرة لحاكم تولى حكم مروى يما بين 25 و15 ق م .ومن المعروف أن الجمل دخـل إلى إفريقيا عن طريق سيناء وإنه لم يستخدم بكثرة إلا في العهد الروماني( )0
يطلق على الجمل وصف سفينة الصحراء لتعايشه مع جو الصحراء وتحمله المشاق والعطش إذ أنه يستطيع أن يقضي مدة ما بين 10 إلى 15 يوما أو أكثر دون أن يحتاج إلى ماء، ويختلف ذلك حسب فصول السنة0 ففي فصلي الشتاء و الربيع قد تصل المدة التي لا يحتاج فيها الجمل إلى الماء لمدة شهرين0
أما الغذاء الذي تتناوله الإبل فينقسم إلى قسمين النباتات الأرضية ومنها(الحنتوت والتبر والصقل والحشيش والنال والتمليكة والعترة والسنا والعرفج والأقحوان والديدمان وغيرها)0 أما القسم الثاني فيتمثل في الأشجار المحببة للإبل ومنها (السيال والسلم والسدر والأراك والكتر والاثل و التنضب والهجليج والطلح والعشر والسنط والحميض والطرفاء والسرح والسمر وغيرها)0
ويعتبر السودان اليوم ثاني دولة عربيه بعد الصومال في تربية الإبل إذ تقارب الأعداد الموجودة فيه حوالي الثلاثة ملايين رأس من الإبل0 وتنقسم سلالات الجمال في السودان إلى خمسة سلالات هي:
الأنافـي : يتميز بخفة الوزن وبطول الأرجل وكبر الصدر وضمور البطن وصغر السنام والآذان ودقة الرأس0
البشاري : يشابه الأنافي تماما من حيث الشكل ويماثله في القوة إلا أنه يمتاز عنه بالسرعة والرشاقة، والجمال البشارية خير ما تستعمل للركوب0
الرشيدي : يتميز بقصر الأرجل ويعرف أنها جمال حمل0
الكباشـي : ويسمى الجمل العربي وهو أيضا جمل حمل إلا أنه أبطأ من الرشيدي ويتميز عنه ب-كبر الحجم وطول رقبته وعيونه وتقوس أنفه0
الجمل السوداني : تسميه متعارفة على الجمال التي تعيش في شمال السودان0
الإبل في حياة البجة :
تعتبر الإبل من أهم الحيوانات عند البجة أما المواشي الأخرى فما هي إلا عوامل مساعدة في حياة البجاوي0
ونستطيع أن نقول أن الرعي هي الحرفة الرئيسية لسائر البجة على اختلاف قبائلهم وأوطانهم0 فالمتتبع لحياتهم يجد أن اهتمامهم بالرعي يستغرق جل حياتهم فالنزاعات حول الأرض غالبا ما تكون بسبب المراعي التي تحتاجها قطعانهم0 وحول أبار المياه تكون لسقاية تلك القطعان كما أن الإغارة على جيرانهم تكون بدافع السطو على قطعان غيرهم أو بعض الثأر لعدوان على قطيع0 وهكذا فإن مثل هذه الحياة تتطلب التأهب الدائم لرد العدوان أو الاستئثار بما عند الآخرين من القطعان من الإبل والغنم0
اهتم البجة عامة بالإبل اهتماما فائقا لا يقل عن اهتمام القبائل العربية بها بل أنهم فاقوا الآخرين في أساليب تربيتها0 وأدركوا الصفات التي تميز بعضها عن بعض، كما وأنهم أدركوا أهمية الوراثة في تربية الإبل مما جعلهم يهتمون كثيرا بمواسم اللقاح عند الإبل أكثر من اهتمامهم بها عند حيواناتهم الأخرى0
والبجاوي يعرف عن الإبل أدق خصائصها ، فيعرف أن مرحلة البلوغ عند الذكر تبدأ من عمر سنتين إلى ثلاث سنوات، ولكنها قد تتأخر حتى ثمانية سنين، لتصل إلى مرحلة النضج الجنسي الكامل0
أما الأنثى فإنها تبدأ النضج عند السنة الثالثة من عمرها وبعد سنة واحدة تقريبا تصل إلى مرحلة النضج الجنسي الكامل، وقد تصل الأنثى سن البلوغ الجنسي باكرا إذا كانت المراعي جيدة 0 وأيضا قد يتأخر البلوغ عند أنثى الإبل حتى عمر ست سنوات في المناطق شديدة الجفاف حيث تكون المراعي شحيحة0
ومن المعروف عند البجة أن الإبل لها موسم محددة ومعروفة للتناسل0 و يمتد موسم التناسل لمدة خمسة أشهر، غير أنه يكون أطول عند الذكور0 ويتأثر طول الموسم عند الذكر بعمره حيث تزيد الفترة بازدياد العمر0
وتدخل الأنثى في عدة دورات متتالية للقاح يصل طول الدورة الواحدة بين20 و25 يوما وتظهر عليها دلالات واضحة، حيث يظهر عليها القلق الدائم، وتخور باستمرار وتأبى عن العمل وتبقى بالقرب من الذكر وتحتك به0
أما الذكر فتظهر عليه الشراسة ، وتخف شهيته للأكل بل قد يتوقف عن الأكل لعدة أيام ويصاب بالإسهال الشديد ويمتنع عن العمل مهما أرغم عليه، ويصبح صعب المراس وقد يكون خطرا على صاحبه0
وتنقسم الإبل عند البجة إلى قسمين أحدها الإبل التي تستعمل للركوب والحروب والنجدات وهذه الإبل تتسم بالسرعة0 أماالأخرى فهي التي تستعمل لحمل الأمتعة.
وللإبل السريعة عناية خاصة عند البجة، وتبدأ العناية بها بمراقبة النسل، فلا يسمح للناقة السريعة أن تنجب إلا من فحل سريع0
والعناية تبدأ باختيار الوالدين وتستمر بعد الولادة في جميع المراحل فيدرب الفصيل في السنوات الأربع الأولى من عمره إذ أنه يتعذر تدريبه بعد ذلك0وبعد التدريب يصبح الفصيل صالحا للركوب ويستطيع صاحبه أن يقطع به المسافات البعيدة دون تعب لأنه تدرب على المشي بطريقة مستوية سريعة .
ولكل فصيل يولد شجرة نسب معروفة ومحفوظة0 وغالباً ما يكون للبجاوي هجينه المفضل ويعرف باسمه ويصاحبه في غدوه ورواحه، ويكون بينهما مودة خاصة، وكثيرا ما ينشد له وينظم فيه الأشعار وأبلغ مثال لنا في ذلك مخاطبة الناظر موسى لناقته قائلا ( )
اتركي أريت موي مسر هاي بالويوك وهرتوميت إيباب ولي متقيت لمتوي
ومعنى البيت ( لقد تعودتِ الأسفار القريبة كالخرطوم والعودة وشيكاً إلى ديارك، ولكنني أقسم أن أتجول بكِ في البلاد المصرية، عاصمة بني الأتراك)0
الجمل البجاوي:
أصبح الجمل البجاوي يمثل مفخرة لمن يمتلكه ودليل على القوة والفروسية فتتغنى به النساء ويفخر به الرجال0( )
الكواهلة أهلاً لي 00 يالكمّلْتُو مال الحْي الكواهلة ياجنيات00 بركبو البشاريات
اشتهرت الهجن البجاوية وفاقت شهرتها الأفاق مما جعل شاعر مثل أبي الطيب المتنبي يقول عند وروده إلى الكوفة واصفاً منازل طريقه وهاجيا كافوراً، وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة 351هـ / 963م ( ) :
فـدّى كل ماشـية الهيـذبى ألا كـل ماشـية الخيزلي
خنوفٍ وما بيَ حسنُ المشى وكـل نجـاةٍ بجـاويـةٍ
وكيد العـداة وميـط الأذى ولكنـهن حبـال الحيـاة
القمار إما لـهذا و إما لذا ضربت بها التيـه ضرب
وبيض السيوف وسـمر القنا إذا فزعت قدمتها الجيـاد
والخيْزلى: مشية متثاقلة تمشيها النساء، والهيْذبى مشية سريعةٌ تمشيها الخيل0 يقول: هؤلاء الحسان المتثاقلات في مشيهن فدىً للخيلِ النشطة التي تحمى العروض وتخيف الأعداء0 وهنَّ أيضاً فدىً للإبل السريعة النجيبة كما في البيت الثاني، والنجاةُ: الناقة السريعة، والبجاوية: نسبة إلى قبيلة بجاوة في السودان (هذا كلام شارح الشعر) وتوصف إبلها بالسرعة0 والخنوف: التي تقلبُ خف يدها في مشيها، وهي هيئة مستحبة في مشي الإبل0 ثم مدح الإبل وقال: ولكنهن حبال الحياة وكيد العداة والمميطات للأذى0 يقول: ركبت مثل هذه الناقة الكريمة السريعة وضربت بها الصحراء وأنا كالمقامر لا أدري ما يصيبني0
ويصفُ الطرماح بن حكيم ناقته، فيقول:
ولَم يَتخوّنْ درّها ضب آفن بجاويةٌ لَم تَستدرْ حولَ مئبرٍ
أما عند البجة أنفسهم فقد اشتهرت النوق البشارية بالسرعة والرشاقة، وخاصة تلك التي أطلق عليها مسمى بانقير وكلاي واو اللذان اشتهر بهما فرعي الحمد أوراب والعالياب من البشاريين0 وقد فاقت شهرة "كلاي واو" الذي يشتهر به فرع العالياب الآفاق وهو هجين من سلالة بانقير وعبيدية0
والبجاوي أيضا يعتني بالإبل الأخرى سيما اللبون منها والتي تعني عند البجة الكثير فحليبها يقوي النظر والعظام ويعطي الجسـم طاقة غير عادية، وإبل الحمل تحمل الأمتعة وتساعد القبائل في الرحيل بين المراعي الخصبة وهي عماد النشاط التجاري والاقتصادي إذ أنها تحمل البضائع بين الأسواق التجارية المختلفة0
والبجاوي يعرف طباع أبله وخصالها ويسميها في كل مرحلة من مراحل حياتها باسم خاص كدليل على المحبة، والبجاوي يعرف أن أبله تبادله تلك المحبة فهي "تحن" سروراً إذا رأت أصحابها و"تئن" حزناً إذا افتقدتهم0
ولكل قبيلة علامة تميز ابلها ومواشيها عن إبل ومواشي القبيلة الأخرى تعرف بالوسم وهي علامة واضحة لا يمكن إخفائها0 وقد تكون على العنق أو المؤخرة، وإلى جانب العلامة الأساسية الخاصة بالقبيلة، تضيف كل أسرة أوبيت عـلامة أخرى خاصة بها وكثيرا ما ترمز هذه العلامة إلى علاقة ما بقبيلة أخرى توسم بنفس العلامة0
مثال لبعض العلامات (الوسم) التي تخص بعض القبائل
:مكانها الوسم القبيلة مكانها الوسم القبيلة
الرقبة تكلول (5) الأمارأر أعلى الساق تأنداد (ـ) البشاريين
الفخذ الخلفي العرجة ( ) الأشراف اسفل العنق إتأدبس (ا ) الأرتيقا
ولكل من قبائل الهدندوة وسم خاص بها: ( الويللأيباب والقبائل التي حولها يستعملون علامة " أوترق أي الهلال" ومكانها في ملتقى الرأس والعنق والسمرايدواب يستخدمون لام ألف (لا) ومكانها في الفخذ الأمامي و الشرعاب علامتهم " كنتات " ومكانها الرأس والشبوديناب علامتهم "مرار " أعلى الرقبة والجميلاب " تأنداد " ومكانها فوق الركبة والبشارياب "توملي" في الرأس0 والقرعيب "امهلق" في الرأس والسمرأر "أوقنوف" في الرأس و والإميراب " تكلولي" في الرقبة والهاكولاب والحامداب والبيوضاب "تكلول" ومكانها أيضا في الرأس)0 وهكذا فلكل قبيلة أو بيت (وسـم ) خاص بها0