فض النزاعات في شرق السودان:
يعتمد البجة عامة على العرف في فض النزاعات فتعقد المجالس بمشاركة رؤوس العشائر إلى أن يتم التوصل إلى حل، وعادة ما تفض النزاعات بطريقة معروفه ، تمر بأربعة مراحل تعتبر كل مرحل تمهيد للمرحلة القادمة وتخطيط للمرحلة القادمة ... ويقوم بمتابعة مراحل فض النزاع لجنة وسطاء (جواأر) من المشهود لهم بالدراية والكفاءة والإصلاح و فض النزاعات واجب للأطراف الغير متنازعة.. والذي لا يقبل بقرار الوسطاء تفرض عليه عقوبات إجتماعية واقتصادية.
المرحلة الأولى (مرحة القلد) :هي مرحلة وقف العدائيات ، ووقف النزاع في مكانه وعدم تمدده ، وهي عبارة عن أخذ العهود والمواثيق بين الأطراف المتنازعة .. وفي مرحلة القلد يتم التفاوض بين الأطراف كل على حدا .. وتعتبر هذه المرحلة مرحلة اختبار للوسطاء وقبولهم من الأطراف وتأثيرهم على مجريات الأحداث ... واذا ظهر في الوسطاء شخص غير مرغوب فيه للطرفين أو أي طرف يسحب من المجموعة .. ومن أداب الحديث عند البدأ البدأ بالصلاة على النبي ويسمع للمتحدث حتى ينتهى من حديثه مهما كان حديثه وبغض النظر عن موضوعيته .... ويحدد القلد بمدة زمنية معينة والطرف الذي لا يلتزم (بالقلد) ينبذ من قبل المجتمع.. ثم تتبعها المراحل الثلاثة المتممة للصلح.
وأشهر قبائل البجة في فض النزاعات هم الأتمن عموما غير أن فرع (العبدرحماناب) في الأتمن اشتهر من سواهم من فروع القبيلة في حل المعضلات لما عرف عنهم من بلاغة في اللغة البجاوية من حيث تنميق الحديث وضرب الأمثال لدرجة أن بقية البجة يحرصون على حضور مجالسهم للتمتع بسماع بلاغتهم اللغوية. ومن نوادرهم في فض النزاعات وقائع فض النزاع بين الأشراف والكميلاب، وملخصها هو أنه قد اقتتلت قبيلتا الأشراف والكميلاب قتالا ضاريا قضى على الأخضر واليابس وتدخلت القبائل الأخرى لوقف القتال والصلح بينهم فعقدت مجالس الصلح وانفضت ثم عقدت وانفضت لمرات عديدة وكان انفضاض المجلس في كل مرة بسبب رفض قبيلـة الكميلاب للصلح إلا أن مجلسا حضره شيخا من الأتمن فرع (العبدرحماناب) كان حاسـماً فقد حسم الشـيخ المجلس بأن طـلب من جميـع الحاضرين الصـلاة على النبـي مسـتثنياً قبيلة الكميـلاب من ذلك بقوله (الجميع يصلي على النبي عدا الكميلاب)، فغضب شيخ الكميلاب لهذا الاستثناء وقال لماذا الكميلاب ؟؟ فقال الشيخ (العبدرحمانابي) ما عهدت أن الكميلاب حريصون على الصلاة على النبي قدر حرصهم الشديد على قتال أحفاده0 فما كان من شيخ الكميلاب إلا أن أطرق برهة بعد ما فهم إشارة الشيخ بتنبيهه لمكانة الأشراف الدينية في نفوس الناس، ثم قال ( لقد قبلنا المصالحة) وبذلك انتهى القتال الذي عجز الكثيرون عن وقفه0
وقد عرف الحامداب من الهدندوة أيضاً بفصاحتهم وحلهم للنزاعات بلفظ جميل وحكماً بليغة ترمى معانيها إلى غوائل النزاعات وفضائل الصلح0
غير أنه بعد أن عم التعليم أغلب مناطق البجة وانتشرت المدن في الشرق بدأ من بورتسودان التي أصبحت قبلة للكثيرين من أبناء السودان وانتهاء بأرياب التي أصبحت قرية نموذجية فإن الزحف الحضاري والتغيير الاجتماعي ساهم في تضاؤل الكثير من العادات والتقاليد لتنحصر في البوادي والمناطق الريفية0