حصار سواكن :
شدد الأمير عثمان دقنه الحصار على سواكن ومنع عنها المدد والمؤن الواردة عن طريق البر0 وبدأت بريطانيا تستغل أسطولها البحري في مد سواكن بالمواد التموينية واللحوم والأخشاب ، كما أوقفت سفن مجهزة بالقطارات على رصيف الميناء لمدها بالماء المقطر بعد أن استولى الأنصار على آبار المياه خارج سواكن0
عاد الجنرال سير جراهام لسواكن للمرة الثانية وتولى مسئولياته القيادية 0 وكانت بريطانيا قد حشدت جيوشاً ضخمة لحماية سواكن وزودتها بأحدث الأسلحة والمواد التموينية التي تكفيها لعدة شهور0 ضاقت مدينة سواكن بهذه الأعداد الضخمة من الجيوش التي كانت مكونة من حملة (لورد ولزلي) وثلاثة آلاف من الهنود والسيخ وفرقة من الخيالة البنغال وفرقة من مدفعية بومباي وفرقة من قوات مدراس وقد بلغت جملة قوات الجنرال جراهام 500 ضابط وعشرين ألف جندي ، كما كان هناك خبراء طيران بالمنطاد0
بالطبع لم تستوعب مدينة سواكن كل هذه الأعداد من الجيوش0 فشيدت المعسكرات خارج سواكن على امتداد مسافات شاسعة حول مدينة سواكن0
كانت الأوامر التي لدي الجنرال جراهام هي تحطيم قوات عثمان دقنه تحطيما تاما وإنشاء حاميات إنجليزية وطوابي على الجبال وإنشاء حاميات من العربان المنتشرين على الساحل والعمل على تفريق جنود الأنصار من حول سواكن، كما كان مكلفا بمد خط السكك الحديدية عبر أراضي الهدندوة إلى أرباب0
شعر جنود الأنصار، والذين كانت قواتهم تتكون ، من ثلاثة آلاف في (تأماي)، وخمسة آلاف في (تهشيم) بحشد الحكومة البريطانية، فعملوا على إرهاقهم نفسيا وذلك بهجمات القناصة على المعسكرات ليلا مما أزعج الإنجليز كثيرا0
في الثاني من فبراير 1885م اشتبكت قوة من الأنصار بخيالة من الإنجليز بقيادة الجنرال (فريماتنل) في منطقة تهشيم قرب سواكن ، فتكبدت القوة الإنجليزية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وهربت تحتمي بأسوار سواكن0 وفي اليوم التالي تعرضت قوة من جنود الإنجليز من طريق (هندوب) للإبادة0
تكررت هذه الحوادث مما أزعج الإنجليز وجعلهم يرسلون مددا من الجند والعتاد لسواكن 0 وتضاعفت القوات في سواكن وأصبحت سواكن تعج بالقوات الإنجليزية والهندية وبكل الأجناس الخاضعة للإمبراطورية البريطانية0
وإمعانا في تحطيم الروح المعنوية للقوات القادمة قاد جنود الأنصار هجمات فدائية منتظمة على معسكرات الإنجليز حول سواكن0 وكان الجنود البريطانيون يحفرون الخنادق في الرمال وما أن يظلم الليل حتى يتسلل إليها جنود الأنصار ويدفنوها0 وفي 20يوم مارس 1885م تحرك الجنرال جراهام من سواكن في قوة تتكون من 306 ضابطا و7886 جندي و317 تابعا و1192 جوادا و210 بغلا و735 جملا وعشرة مدافع ووصل إلى (تل تهشيم) وكان قد قام من قبل بطلعة استكشـافية في صبيحة يوم 19 مارس 1885م0
وصلت حملة الجنرال جراهام إلى (تهشيم) وقامت بمحاصرة جنود الأنصار المعسكرين في تهشيم 0 ثم دخلت معهم في معركة استمرت أكثر من خمس ساعات تكبد فيها الجانبان خسائر فادحة0 وبنهاية المعركة رجع الجنرال جراهام إلى سواكن دون أن يحرز نصرا على الأنصار0
بدأ الجنرال جراهام في الإعداد لهجوم كبير على معسكر الأنصار في تأماي، فاتخذ بعض الخطوات التمهيدية وعمل محطات تموين على الطريق0 وفي22 مارس1885م تحرك (سير جون كارستير ماكنيل) بقوة كبيرة من الجنود مقسمة على مربعين سائرين لمسافة ثمانية أميال خارج سواكن بغرض عمل ثلاث زرائب تسع الأولى ألفي جمل والأخريات كل منهما تسع فرقة من الجنود0غير أن جواسيسه أطلعوه بأن الأمير عثمان دقنه يكمن لهم وأنه على علم بأنهم سيتوقفون بعد ثمانية أميال خارج السور0
أبرق ماكنيل قائده جراهام بخطورة الموقف في المربع الثاني فوصلته تعليمات بالتوقف في الميل السادس ليقيم زريبة في (توفريك) إن استطاع وأن يترك عمل الزريبة في الميل الخامس كما كان مقررا0
ملحمة البطولة (واقعة توفريك) :( )
واصلت الحملة سيرها إلى أن وصلت الميل السادس في منطقة (توفريك)، وباشرت في عمل ثلاث زرائب يشكلن وحدة متجانسة الأولى زريبة ضخمة مربعة الأضلاع ، ضلعها مائة وعشرون ياردة تسع مستقبلا حمولة ثمانية آلاف جمل0 الزريبة الثانية مربعة ضلعها خمسة وسبعون ياردة ، وموقعها في الزاوية الشمالية الشرقية للزريبة الأولى0 وزريبة ثالثة مربعة ضلعها خمسا وستين ياردة ، تقع في الزاوية الجنوبية الغربية من الزريبة الأولى0 وكإجراء احتياطي ، تكاملت الزرائب الثلاث ليصبحن مربعا ضخما ضلعه مائتان وستون ياردة ووضع في جهة الزرائب الثلاث الغربية قوات السيخ0 وفي الواجهة الشمالية فصيلتان من لواء المشاة البنغالي السابع عشر ولواء مشاة بومباي الثامن والعشرون0 أما الواجهة الجنوبية المقابلة للزرائب فقد وضعوا فيها ست فصائل من لواء المشاة البنغالي السابع عش0
ورتب وضع الجمال بعد تفريغ حمولتها في الزريبة الرئيسية بحيث تذهب إلى مربط في شرق المعسكر على بعد مائة وثلاثين ياردة تقريبا حتى تكون في أتم الاستعداد للتوجه الفوري إلى سواكن0 وأمام واجهات المعسكر وعلى بعد مائة وخمسين ياردة وضعت نقاط للحراسة0 كل نقطة بها أربعة أو خمسة رجال، وأمامهم بنصف ميل كانت هناك نقاط قوات فرسان الرماحة ، بكل نقطة أربعة فرسان0 كانت كل هذه الترتيبات جارية والزريبة الرئيسية لم تكتمل بعد0
وفي الجانب الشمالي للمعسكر، وعلى بعد ثمانية وعشرين ومائة ياردة كانت هناك أشجار كثيفة أطولها أقل من مترين ونصف، هذه الشجيرات الكثيفة، جعلت القائد يتحوط بتغزير لواء بومباي الثامن والعشرون بفصيلتين0 من اللواء البنغالي ، حتى يكون الضلع الشمالي على شكل نصف دائري0( )
وفي أثناء تفقد سير ماكنيل للعمل في الزرائب 0 لمح أحد فرسانه الرماحة يندفع كالسهم وخلفه الآخرون يشيرون إلى جيوش الأنصار الذين ظهروا من وسط تلك الشجيرات0 هروب فرقة الرماحة فاجأ الحراس الذين هربوا بدورهم فأصدر سير ماكنيل أوامره لجنوده بترك العمل والاستعداد للدفاع عن أنفسهم هجم جنود الأمير عثمان دقنه على الزريبة الثالثة الجنوبية الغربية وقتلوا الذين كانوا على رأس المدفع 0 واتجه جزء من الأنصار لزريبة الجمال لإثارتها، واتجه آخرين منهم إلى الزريبة الثانية، فحصدتهم رشاشات الجيش الإنجليزي0 ثارت الجمال وحطمت الزريبتين الأولى والثانية0 تعلق جنود الأنصار بالجمال الهاربة ، و اتخذوها سواتر من رصاص الجيش البريطاني0
بسالة نساء الشرق :
هربت القوات البريطانية في كل اتجاه ، فكان نصيب القوات الهاربة باتجاه الغابة الموت المنتظر على أيدي مجاهدات الأنصار اللاتي أعملن سيوفهن في الهاربين تقتيلا0 ومن الشخصيات الهامة التي قتلت على أيدي النساء الضابط ليوتنات/ جيمز بيرنارد ريتشاردسون أكبر أبنا الثري الاسكتلندي ديفيد ريتشاردسون وهو من علية القوم في اسكتلندا0 وكان الفارس الضابط بيرنارد يقوم بمهمة كلف بها مع ثلاث فرسان آخرين0 ومن على البعد من بين الشجيرات رأت نساء الأنصار الفرسان الأربعة قادمين نحوهن0 فاتفقن على أن ينلن من هؤلاء القادمين ، وجهزت كل واحدة رمحها0 وما كاد الفرسان الأربعة يصلون حتى انهالت عليهم الرماح من كل صوب0 وقتل الفرسان الأربعة0 لم يرجع الفرسان من مهمتهم0
جزعت القيادة العامة في سواكن من عدم رجوع الفرسان الأربعة ، فأمرت بالبحث عنهم في كل موقع بين سواكن وتوفريك0 وفي أثناء البحث وجدوا صفارة الضابط الفضية وبها صدمة رمح وآثار دماء شاهدة على مصرعه0 وأرسلت الصفارة إلى عائلته في اسكتلندا مع الوعد بالثأر له0 فاحتفظت العائلة في اسكتلندا بالصفارة 0 وكتبت الصحافة البريطانية مطالبة بالثأر من نساء السودان0( )
انتهت معركة توفريك بعد معركة حامية كانت الغلبة فيها للأنصار0و بعد أن انقشعت المعركة حصر كل فريق جنوده فكان حصيلة الجيش الإنجليزي 1073 قتيلا ما بين ضابط وجندي أما الأنصار فقد استشهد منهم 249 رجلاً0( )
وفي نفس اليوم هاجم الأنصار جنود (الميجر جريفيت) الذي كان على رأس فرقة من الخيالة الإنجليز والبنغال بجوار منطقة توفريك وقتل منهم 300 جندي0 استمرت المناوشات بين الطرفين ، وشعرت بريطانيا بضعف جيشها في سواكن فأرسلت إمدادات جديدة تتكون من مدفعية ومشاة وخيالة من الجنود الأستراليين، وصلتها في 29 مارس 1885م0
في يوم الخميس الثاني من إبريل 1885م تحرك الجنرال جراهام من سواكن في قوة تتكون من ثمانية آلاف ومائة وخمسة وسبعين بين جندي وضابط، مسـلحة بأحدث الأسلحة متوجها إلى معسكر الأمير عثمان دقنه في تأمأي0 وصل الجيش إلى الزريبة التي بناها الكونيل ماكنيل ليقضي بقية الليل هناك0 إلا أن قناصة الأنصار كانوا بالمرصاد حيث فارق النوم أجفان قوات جراهام إلى أن اصبح الصباح ، فتحرك الجيش باتجاه (تل تسلهاي) الذي يبعد عن الزريبة سبعة أميال0 وصل الجيش إلى مكان شجيرات كثيفة ، وهنا أمر السير جراهام بإطلاق البالون0 سبق أن أطلق هذا البالون للتجربة في 25 مارس 1885 فعلم به الأمير عثمان دقنه0 وأمر الأنصار بضربه لو رأوه مرة أخرى0 أنطلق البالون وهو يحمل ضابطاً وجندياً وارتفع في الهواء مسافة مائة متر وما أن رآه الأنصار حتى أطلقوا عليه النار، فأنفجر البالون في الهواء منقسما إلى قسمين وسلة تحمل جثتين0
استشهاد النساء: وصل الجيش بقيادة جراهام إلى (تل تسلهاي) على مقربة من (تأمأي) الجديدة، وهناك تم عمل زريبة بجانب التل0 وبحلول المساء انهمر الرصاص على الزريبة من قبل الأنصار وتبادل الفريقان النيران ، إلى أن كان الصباح ، فتحرك جراهام بجيشه إلى تأماي الجديدة فوجدها خالية فواصل سيره نحو تأماي القديمة والتي يفصلها عن الجديدة خور القونب0 كان الأمير عثمان دقنه قد أخلى معسكر تأمأي وتحصن بالجبال آمراً كشافته بمناوشة قوات الجنرال جراهام مع التقهقر إلى الجبال حتى يتبعهم جيش جراهام مستدرجا إلى الجبال0 إلا أن جراهام أدرك خطة الأمير عثمان دقنه فرجع أدراجه بعد أن تتبع كشافة الأمير بعض الوقت إلى الجبال0
وصلت قافلة من النساء والأطفال مع بهائمهم إلى المنازل الخاوية في تأماي، فما كان من جراهام إلا أن اصدر أوامره بضرب المعسكر0 وأسفرت المعركة عن استشهاد مائة وخمسين امرأة وطفل من الأنصار0 وقتيل واحد وخمسة عشر جريح من قبل الجيش0
في الرابع من أبريل غادر جراهام الزريبة متجها إلى سواكن ، ومنها إلى مصر في السابع عشر من مايو 1885م0
انسحاب القوات البريطانية :
في 24 مايو 1885 أبرق (اللورد لزلي) حكومته بسحب الجيوش البريطانية من سواكن بعد الهزائم المتكررة من الأنصار، وفشل الجنرال جراهام في مهمته0
استجابت الحكومة البريطانية لرأي اللورد وسحبت قواتها من سواكن 0 ورجع الجنود البريطانيون من حيث أتوا0
تنامت قوة الأمير عثمان دقنه بعد انتصاراته المتوالية على الجيوش البريطانية0 وكانت أسوار سواكن وتحصيناتها قد اكتملت بانتهاء عام 1886م بعد أن شهدت كثيراً من التعديلات والإضافات من المحافظين الذين مروا على سواكن0 وقد تقلد أمر محافظة سواكن منذ اندلاع الثورة في شرق السودان عام 1883م عدد من المحافظين منهم محمد بك توفيق ثم سليمان باشا نيازي الذي عين محافظا على سواكن في العام 1883، وخلفه الجنرال بيكر ثم الأميرال هويت في فبراير 1884 ثم كرومر ثم الكونيل كرمايد الذي خلفه الجنرال فريماتنل ثم الجنرال هدسون والجنرال ديسكون ثم السير شارلس ثم الميجور واطسون ثم الكولنيل كتشنر في 1886م
نقل الأمير عثمان دقنه رئاسة عملياته إلى (هندوب) حتى يكون قريبا من سواكن، التي احكم الأمير الحصار عليها وقطع عنها كل الإمدادات والاتصالات البرية في انتظار استسلامها بعد استنزاف مواردها 00
وكانت أوامر الخليفة بأن لا تفتح سواكن عن طريق الهجوم0 هذه الأوامر كانت تلقى هوى في نفس الأمير عثمان دقنه لعدة أسباب منها أن عماد سكان سواكن من قبيلة الأرتيقه وهم من حلفائه ومناصريه0 حيث بايعته من قبل أغلب بيوتات الأرتيقه، عدا من حوصر منهم داخل سواكن أمثال عائلة (الكرباب) التي كانت تمثل السلطة الأهلية في سواكن ، وغيرها من البيوتات0 وأيضا هناك أصهاره الأشراف0 وقد كان الأمير عالما ببواطن الأمور في سـواكن وكان يخشـى عليها أن يلحق بها النهب والدمار على أيدي الجنود الفاتحين الذين قد لا يميزون بين العدو والصليح من نشوة النصر وكانت حوادث تدمير مساجد الختمية بكسلا بواسطة جنود الأنصار ماثلة للعيان أمامه0 وهكذا تمركزت قوات الأمير حول سواكن محاصرة لها0
كتشنر (إتلأ بدأ ) :
في 3 يناير 1888م أرسل الأمير عثمان دقنه حملة تأديبية لمحمود بك على زعيم الفاضلاب ( الأمرأر) وبقي الأمير مع قوات صغيرة في هندوب0 ولما سمع الكولونيل كتشنر محافظ سواكن بهذا الخبر قرر مباغتة الأمير في هندوب واختطافه0 جمع كتشنر قوة كبيرة من المتطوعين والجندرمة0 وتحرك من سواكن وكان معه الكابتن (هيكمان) والملازم (مكمورد) والملازم (برنسب) في 17 يناير 0 وصلت القوة بالقرب من هندوب ونظمت صفوفها و باغتت الأمير عثمان دقنه وجنوده أثناء تأديتهم لصلاة الفجر0 تراجع الأمير وجنوده واستطاع أحد الإنجليز الإمساك بفرس الأمير التي كانت بجوار خيمته إلا أن الأمير امتطى جملا وقام بتنظيم رجاله وقادهم في هجوم مضاد على الإنجليز هزمت فيه القوة الإنجليزية وأصيب كتشنر بطلق ناري استقر في فكه عبر خده الأيسر فسقط مغشيا عليه فأدركه محمد بك أحمد قمندان بوليس شرق السودان وأردفه خلفه على جواده وعاد به إلى سواكن ومن خلفه جنود الأنصار يطاردون القوة الإنجليزية0
ما أن وصل جنود الإنجليز إلى سواكن مهرولين حيث وجدوا أبواب السور مغلقة فعمد محمد بك أحمد إلى القفز بجواده من فوق السور فمات الفرس في هذه القفزة ونجى كتشنر ومحمد بك أحمد ، وعلى أثرها رقيً محمد بك أحمد إلى رتبة الأميرلاي وأطلق أهالي شرق السودان على كتشنر لقب ( إتلأ بدأ) أي ( ذو الخد المثقوب).
بعد هذه الحملة سارع الأمير إلى تضييق الحصار على سواكن حتى وصل جنوده إلى مسافة ألف وخمسمائة متر من أسوارها ، فحفروا الخنادق على مسافة قريبة من السور0 وبدأ الأنصار يرمون جنود الإنجليز الذين كانوا على السور بنيران بنادقهم ليل نهار0
ضاقت الحالة في سواكن من وطأة الأنصار مما اضطر القيادة إلى تجريد حملة بقيادة الكولونيل (تاب) الذي خرج من سواكن في محاولة يائسة لتشتيت جنود الأنصار من حول سواكن وفك الحصار0
اشتبك الكولونيل تاب مع جنود الأنصار في 3 مارس 1888م في معركة قادها من جانب الأنصار الأمير (محمد فآي دقنه) واستطاع الأنصار في هذه المعركة دحر القوة الإنجليزية التي فرت تجاه بوابة سواكن حيث دخل الجنود من البوابة وأقفلوها تاركين ورائهم قائدهم الكولونيل( تاب) ، والذي هجم عليه الأمير محمد فآي وقبل أن يصل الأمير إليه أصابه الكولونيل برصاصة من مسدسه اخترقت صدر الأمير فآي 0 وقبل أن يسقط الأمير من على جواده عاجل الكولونيل بضربة من سيفه شق بها رأسه 0 وهكذا استشهد الأمير فآي بعد أن قتل القائد الإنجليزي0
وفي أواخر مارس وصلت الإمدادات إلى الأمير عثمان دقنـه من كسـلا ومن أم درمان تعزيزا لحصار سواكن ، غير أن الأمير عثمان دقنه قام بإرجاع هذه الإمدادات في يونيو لاشتداد ظروف الجفاف نسبة لشح الأمطار في العام 1888م / 1306هـ0
واقعة الجميزة :
في 17 سبتمبر 1888م اصدر الأمير عثمان دقنه أوامره إلى الأمير عثمان نائب ليعسكر بقواته في ناحية الجنوب الغربي من تحصينات سواكن بمنطقة (الشاطة) و (الجميزة)0 وكانت هذه التحصينات بنيت لحماية آبار الماء لحامية سواكن0 نزل الأمير عثمان نائب بقواته على بعد 900 ياردة من طابيتى الشاطة والجميزة وحفر خندقا طويلا وجعل يتصيد العساكر الواردة للماء 0 وفي 13 أكتوبر أمر بعض جنوده بردم آبار الماء في جنح الليل، إلا أن عساكر الإنجليز أحسوا بهم وأجلوهم عن الآبار0 واستطاع الأمير عثمان نائب أن يهدد المدينة مما جعل (سميث باشا) محافظ سواكن يرفع أخبار اعتداءات الأنصار إلى مصر طالبا المدد ، فحضر (السردار غرنفيل) باشا شخصيا إلى سواكن ليستطلع الأمر0 وبعد أن استكشف الخندق رجع الباشا إلى مصر فطلب الإذن من الحكومة لطرد الأنصار من حول أبار الشاطة0 فلما أذنت له حكومته بذلك استدعى الأورطتين التاسعة والعاشرة من الحدود النيلية فذهبتا إلى سواكن عن طريق قنا والقصير0 إلا أن الحكومة البريطانية خشيت أن لا يكفي هذا العدد لدحر الأنصار فبعثت بأرطة من عساكرها لتلحق بالقوات التي ذهبت إلى سواكن فوصلتها في 9 من ديسمبر 1888م 0 وكانت القوات المرسلة مكونة من 4750 جندي تفاصيلها 750 جندي إنجليزي يقودهم الكولونيل (كوك) وألفين جندي مصري وألفين من العساكر السودانية وكان اللواء الأول وفيه الأرطة التاسعة والعاشرة والثانية عشر السودانية بقيادة (اللواء كتشنر باشا) واللواء الثاني وفيه الأورطتان الرابعة المصرية والحادية عشر السودانية بقيادة اللواء (هولد سميث باشا)0 وفي يوم 20/12/1888م خرج السردار من سواكن بكل الجيش ووقف بين طابيتي الشاطة والجميزة ومعه الطوبيجية0 وأمر اللواءين فزحفا مهاجمين الأنصار عن يسارهم وكان بينهم 600 ياردة فأمطرهم الأنصار بالرصاص، وردت القوات بالمثل إلى أن صارت بينهم مسافة 200 ياردة0 وكانت الأرطة الإنجليزية والوابورات الإنجليزية الراسية في الميناء تحمى اللواءين بالمدافع ، تقدم اللواءان إلى أن دخلا الخندق فقتلوا 500 من مجاهدي الأنصار من ضمنهم أربعة أمراء منهم (درير موسى دقنه) ابن عم الأمير عثمان دقنه0 وبعد انتهاء الواقعة ورجوع الجيش إلى سواكن أمر السردار بزيادة عدد الطوابي خارج سور سواكن ، لحماية الآبار0( )
كانت هذه الواقعة نهاية لحصار سواكن ولما كان عام 1891م واستطاع هولد سميث الخروج من سواكن واحتلال هندوب واستخلاص توكر من الأنصار0
وفي 7 مارس 1891م وصل (السردار غرنفيل) إلى سواكن قادما من توكر وعفافيت عن طريق تأماي ، وعقد مجلسا في 8 مارس مع شيوخ البلاد وأعلن العفو العام.